السبت، 3 يناير 2009

رسالة إلى الناقمين على حماس

بقلم: د. خالد فهمي لم أكن أتصوَّر يومًا أن يُعبث كل هذا العبث بما رسخ في الضمير الإنساني، نعم الإنساني.. خلال مسيرته الممتدة المتطاولة من تقدير قدسية النضال، وبذل الدم في سبيل الحق، وفي سبيل الوطن، وفي سبيل نصيرة السماء. ولم أكن أتصوَّر يومًا أن يتنكر الإنسان لعقله، ومنطق وجوده، وأن يهين وجدانه، وأن يخرج من جلده، تحت أي ظرف مهما كانت قائمة المغريات، ومهما كانت فتنة الشهوات!.. لم أكن أتصور لكن ما لم يكن قد كان. إن الثقافة المعاصرة في مناطق مختلفة من العالم، وفي سياقات معرفية متباينة احتفت- ولا يزال الوجدان العالمي يحتفل معها- بنضال جيفارا ونضال غاندي ويُحيِّي في إكبارٍ مقاومة فيتنام ضد الأمريكان، وشعب جزر الفوكلاند الأرجنتينية، وجهاد الأفغان ضد الروس، ولا تزال بقايا وعي قديم بهذه الحفاوة بثقافة المقاومة تسكن النفس الإنسانية على تبدل المواقف، وتغيُّر قطار المصالح. فما الذي حدث؟! ومتى كانت مقاومة المحتل استفزازًا؟! نحن قد نقبل مضطرين بمثل هذا الكلام الصغير إن خرج من أبواق إعلامية تصدر إليها الأوامر بمساندة نظامٍ من النظم، أراد أن يستتر بمواقفه غير المشرِّفة، لكن أن يعبِّر عمن كنا نتصور أنه صوت مثقف مُنْتَمٍ؛ فذلك ما لم نكن نحب أن نعيش إلى أن نراه أو نشهد أيامه السود؛ ففي (الأهرام) الصادر يوم الثلاثاء 2/1/1430هـ = 30/12/2008 خرج علينا واحد من كُتَّابها ليقرر في استخفاف بالمنطق العقلي ليتّهم حماس بأنها لم تتعلم من دروس التاريخ ولم تُحسن التأسِّي بالمقاومة الفرنسية التي صممت خوفًا على تراث مدينة النور باريس وحضارتها!! وأنا لا أدري منذ متى أصبحت حركات المقاومة الباريسية زادًا للمقاومة الإسلامية الأعرق والأرشد؟! ولا أدري متى كان الاحتلال خلال تاريخه الدنس كله- إن فتحت له الأبواب ورحَّب به أهل الديار- صمام أمان للحضارة وحارسًا أمينًا لتراث من النور عبر التاريخ؟! لقد استسلم الكثيرون أمام زحف التتار، فكان الدمار الذي ما تزال مشاهده عالقةً في المخيلة الإنسانية؛ تتوارثها الأجيال كأنها تقذف جينات في الأرحام. واستسلم بعض العراق خيانةً أو خداعًا فماذا كان من الاحتلال الأمريكي؟! هل حافظ على مدن العراق ومتاحفها ومكتبات الموصل معقل الحركة الإسلامية السنية؟! ومتى كان الوفاء لمطلب المقاومة الذي يُعد هو الأصل، ومعاودتها بعد انتهاء أية هدنة، التي هي بمنطق اللغة ومنطق التاريخ، أمر مؤقت.. متى كان ذلك استفزازًا في العقل الإنساني الذي غُذِّي في الزمان الطويل على تقدير الجهاد والنضال والمقاومة؟! هل كان عرابي وهو على صهوة جواده مستفزًّا وهو يقابل الآلة الإنجليزية الغازية في نهايات القرن قبل الماضي؟! وهل كان الشعب المصري في 1919م مستفزًّا للاحتلال وهو يخرج أعزل إلا من صوت حناجره، وتراص أجساد أبنائه؟! وهل كان جمال عبد الناصر وحسين حمودة ويوسف صديق وغيرهم- وهم من أطياف مختلفة- مستفزِّين يوم فعلوا ما فعلوا في الانقلاب الذي قالوا لنا عنه إنه كان لتحرير الأوطان، وطرد الاحتلال وكسر رقبته ورجله وذراعه إلى الأبد؟! إن أسوأ شيء في الوجود أن نمتهن النعمة التي منَّ الله تعالى بها على الخلق وهي العقل.إننا لم نعرف تاريخًا ولا معرفة ولا ثقافة تصف المقاومة بمثل ما تصفه بها أصواتٌ فقدت عقلها في أدبيات الإعلام المصري المسمَّى بالحكومي في هذا التوقيت المرير الذي يخبط بعالمنا. إن كثيرًا من دعاوى البطولة ومساندة القضية الفلسطينية في حاجة ملحِّة إلى المراجعة حتى لا تترسَّخ حقائق في الوجدان الجمعي للشبيبة المصرية المصابة بأمراض انهيار التعليم وضحالة الثقافة. أنا أريد من أي أحد يقف معي أمام ما يسمَّى بما قدَّمته الأنظمة المصرية الحاكمة منذ بداية النكبة في 15/5/1948م لماذا لا يقف أحد أمام صفقة الأسلحة الفاسدة التي كانت بتدبير النظام الحاكم يومها؟! وأنا لا أريد أن نقف جميعًا أمام ما قدَّمته الأنظمة المصرية في حرب 1956م للقضية الفلسطينية أو أمام ما قدَّمته لها في حرب 1967م وهي تخسر كل شيء وتهين مصر وجيشها الإهانة التي لم يعرفها في تاريخه المديد والعظيم كله. واقرءوا ما كتبه المؤرخ الجبار محمد عبد الله عنان في مذكراته (ثلثا قرن من الزمان). إن ما قدَّمته مصر كان على المستوى الشعبي الذي تغذَّى بلبان الإسلام، وكان على المستوى الرسمي والحكومي قبل ذلك بزمان يوم كنا وحدة واحدة تحت راية الخلافة الإسلامية! أرجوكم.. أعيدوا قراءة التاريخ. إن كان ذلك الذي نسمعه ضد منطق التاريخ، ولن يرحم أحد أية حركة مقاومة تُلقي بسلاحها وتبارك احتلال وطنها. لقد كان ياسر عرفات- واذكر معي- إرهابيًّا عظيمًا للدرجة التي مُنع فيها مرارًا من عرض قضية بلده العادلة في المحافل الدولية، ويوم تعاونت حركته أخيرًا مع الطرح الأمريكي زال عنها وصف الإرهاب. قولوها في وضوح وصراحة: إن المشكل الحقيقي هو في صدور حماس في فعلها المقاوم عن فلسفة إسلامية، ويقين إسلامي يصادم الحلم الأمريكي والصهيوني. قولوها في وضوح وصراحة: إن على حماس أن تُلقيَ بسلاحها وتُبارك احتلال أرضها، ليسكت صوت الشيطان الذي يلاحقها في الإعلام المصري وغيره. وعلى الذين يستمعون ويعيشون اللحظة الراهنة أن يتذكَّروا جيدًا هذه الحرب المتنوعة المتوحشة للفكرة الإسلامية التي تتلبَّس حماس في مقاومتها باسم الإسلام، وأن يتذكَّروا معها أن الجانب الآخر الذي يسعى إلى إسكات صوت الإسلام هنا وهناك إنما يسعى بسلاح الإنجيليين في البيت الأبيض، وبسلاح التوراتيين في الكنيست!. وعلى حماس- إن أرادت أن تستمطر لعنات الله والملائكة والناس أجمعين- أن توقف النضال وتُلقي بالنبال وتُبارِك الاحتلال. -------- * كلية الآداب- جامعة المنوفية

0 التعليقات:

إرسال تعليق